الخطبة 4: وفيها يعظ الناس ويهديهم من ضلالتهم، ويقال: إنه خطبها بعد قتل طلحة والزبير

ومن خطبة له (عليه السلام)([1])

[وهي من أفصح كلامه (عليه السلام)، وفيها يعظ الناس ويهديهم من ضلالتهم،

ويقال: إنه خطبها بعد قتل طلحة والزبير]

بِنَا اهْتَدَيْتُمْ في الظَّلْمَاءِ، وَتَسَنَّمْتُمُ([2]) الْعَلْيَاءَ، وبِنَا انْفَجَرْتُمْ عَنِ السِّرَارِ([3]). وُقِرَ([4]) سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ الوَاعِيَةَ؛ كَيْفَ يُرَاعِي النَّبْأَةَ([5]) مَنْ أَصَمَّتْهُ الصَّيْحَةُ؟ رُبِطَ جَنَانٌ لَمْ يُفَارِقْهُ الخَفَقَانُ.

مَا زِلتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ الغَدْرِ، وَأَتَوَسَّمُكُمْ بِحِلْيَةِ الـمُغْتَرِّينَ ، حَتَّى سَتَرَنِي عَنْكُمْ جِلْبَابُ الدِّينِ، وَبَصَّرَنِيكُمْ صِدْقُ النِّيَّةِ. أَقَمْتُ لَكُمْ عَلَى سَنَنِ الحَقِّ في جَوَادِّ الـمَضَلَّةِ، حيْثُ تَلْتَقُونَ وَلا دَلِيلَ، وَتَحْتَفِرُونَ وَلا تُميِهُونَ([6]).

اليَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ العَجْمَاءَ([7]) ذاتَ البَيَانِ. عَزَبَ رَأْيُ امْرِئٍ تَخَلَّفَ عَنِّي، مَا شَكَكْتُ في الحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ. لَمْ يُوجِسْ مُوسَى خِيفَةً عَلَى نَفْسِهِ، أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ الجُهَّالِ وَدُوَلِ الضُّلَّالِ. اليَوْمَ تَوَاقَفْنَا عَلَى سَبِيلِ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، مَنْ وَثِقَ بِمَاءٍ لَمْ يَظْمَأْ.

 

[1] ـ ذكرها الطبري الإمامي المتوفّى أوائل القرن الرابع في المسترشد : 408 من قوله (عليه السلام): «لم يوجس موسى من نفسه خيفة» باختلاف في الألفاظ. ورواها الشيخ المفيد (ت413) في الإرشاد 1 :254 باختلاف أيضاً. ورواها قطب الدين الراوندي (ت573) في منهاج البراعة 1 :142 عن جماعة عن جعفر الدوريستي، عن أبيه محمّد بن العباس، عن أبي جعفر ابن بابويه، أخبرنا محمّد بن عليّ الاسترابادي، عن عليّ بن محمّد بن سيار، عن أبيه، عن الحسن العسكري، عن آبائه، عن أميرالمؤمنين (عليه السلام). امّا ابن أبي الحديد (ت655) فهو قد صحّح هذه الفقرات لكثرة روايتها من جهة، وزعم انّ في أصل الخطبة زيادات لم تكن لأمير المؤمنين (عليه السلام) من جهة ثانية، محتجّاً بأنّ ألفاظها لا توافق طريقته وفصاحته في الخطب، وخفي عليه انّ المرء في كلامه قد يستعمل البلاغة وقد لا يستعملها، وحتى في خطبة واحدة تكون بعض أجزائها أبلغ من الأجزاء الاُخرى، ولذا قام الرضي ; بالتقاط الكلام البليغ من الخطبة الواحدة، وعمله هذا لا يدلّ على انّ ما تركه غير صحيح، كما توهّم ابن أبي الحديد في شرحه [1 :208].

[2] ـ تسنّمتم: أي علوتم، يقال: تسنّم أي علا.

[3] ـ سرار الشهر: آخر ليلة منه، ويخفى القمر ليلة السرار.

[4] ـ وُقر السمع: أي صُمّ.

[5] ـ النبأة: الصوت الضعيف.

[6] ـ لا تُميهون: لا تصلون إلى الماء.

[7] ـ العجماء: البهيمة، وسمّيت بذلك من حيث انّها لا تبين عن نفسها بالعبارة. وهذا إشارة إلى الرموز التي تتضمّنها هذه الخطبة، يقول: هي خفية غامضة، وهي مع غموضها جليّة لاُولي الألباب، فكأنّها تنطق كما ينطق ذووا الألسنة.

4 + 9 =