الخطبة 13: في ذم البصرة وأهلها
ومن كلام له (عليه السلام)
في ذم البصرة وأهلها [بعد وقعة الجمل]( ([1]
كُنْتُمْ جُنْدَ الْـمَرْأَةِ، وَأَتْبَاعَ البَهِيمَةِ، رَغَا([2]) فَأَجَبْتُم، وَعُقِرَ فَهَرَبْتُمْ. أَخْلاَقُكُمْ دِقَاقٌ، وَعَهْدُكُمْ شِقَاقٌ، وَدِيْنُكُمْ نِفَاقٌ، وَمَاؤُكُمْ زُعَاقٌ([3]). المُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ، وَالشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ؛ كَأَ نِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ([4])، قَدْ بَعَثَ اللهُ عَلَيْها العَذَابَ مِنْ فَوْقِها وَمِنْ تَحتِها، وَغَرِقَ مَنْ في ضِمْنِها.
وفي رواية أُخرى: وَأيْمُ اللهِ لَتَغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ، أَوْ نَعَامَةٍ جَاثِمَةٍ([5]).
ويُروى: كَجُؤْجُؤِ طَيْرٍ في لُـجَّةِ بَحْرٍ([6]).
[1] ـ لم نعثر على كلامه (عليه السلام) بهذه الكيفية إلّا عند الخوارزمي (ت568) في المناقب : 189. لكن ورد مضمونه في مصادر كثيرة قبل الرضي وبعده بألفاظ مختلفة وبزيادة ونقصان، شأنه شأن سائر ما روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو الصحابة،إذ انّ الرواة كانوا تارة يأخذون من الحديث كلّه وتارة يأخذون بعضه لأسباب مختلفة.
أمّا مَن رواه قبل الرضي: ابن قتيبة (ت276) في عيون الأخبار 1: 216 في ذكر الأمصار، والدينوري (ت282) في الأخبار الطوال: 151، وابن عبد ربه (ت328) في العقد الفريد 4: 81 عن ابن عباس، والقمي (ت329) في تفسيره 2: 339 في قوله تعالى: «والمؤتفكة أهوى»، والمسعودي (ت346) في مروج الذهب 2: 377. أمّا من رواه بعد الرضي، فمنهم: الشيخ المفيد (ت413) في الجمل: 217 «عن نصر بن عمر بن سعد، عن أبي خالد، عن عبدالله بن عاصم، عن محمّد بن بشير الهمداني، عن الحرث بن سريع»، والشيخ الطوسي (ت460) في الأمالي: 702 ح6 عن موسى بن بكر، والطبرسي (ت560) في الاحتجاج 1: 250 عن ابن عباس، وابن شهرآشوب (ت588) في المناقب 2: 110 من قوله (عليه السلام): «وأيم الله لتغرقنّ بلدتكم …»، وياقوت الحموي (ت626) في معجم البلدان 1: 436، وسبط ابن الجوزي (ت654) في التذكرة : 79. واستشهد كلّ من ابن الأثير (ت606) في النهاية 1: 225، وابن منظور (ت711) في لسان العرب 1: 42 بقوله (عليه السلام): «وكأنّي أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة أو نعامة جاثمة أو كجؤجؤ طائر في لجة بحر».
امّا ما تضمّنه هذا الكلام من ذمّ البصرة وأهلها، ومن معرفة الغيب الذي يقال انّه مختصّ بالله تعالى، والذي تمسّك به البعض لردّ نهج البلاغة، فنقول: امّا بالنسبة إلى ذمّ البصرة وأهلها فانّها قضية في واقعة، ولم يرد الإمام (عليه السلام) ذمّها بصورة مطلقة وفي جميع الأزمان، كيف وهو الذي يمدحهم أيضاً بقوله: «يا أهل البصرة انّ الله لم يجعل لأحد من أمصار المسلمين خطة شرف ولا كرم، الّا وقد جعل فيكم أفضل ذلك وزادكم من فضله بمنّه ما ليس لهم …» [البحار 32: 256] ولكن ورد كلامه (عليه السلام) الذامّ لهم مورد التوبيخ كما قال (عليه السلام) في ذيل الخطبة: «واُقسم لكم يا أهل البصرة ما الذي ابتدأتكم به من التوبيخ إلاّ تذكير وموعظة لما بعد، لكي لا تسرعوا إلى الوثوب في مثل الذي وثبتم».
وأمّا ما يدلّ على معرفة الغيب، واخباره (عليه السلام) بغرق البصرة، فهذا ممّا لا إشكال فيه، فإنّه إظهار من الله تعالى وتعليم من ذي علم، قال تعالى: «عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً * إلّا من ارتضى من رسول» [الجن : 26 ـ27].
[2] ـ الرغاء: صوت البعير، رغا البعير إذا ضجّ. [3] ـ الزعاق: الماء المالح، أو المرّ. [4] ـ الجؤجؤ: عظم الصدر، وجؤجؤ السفينة: صدرها. [5] ـ جثم الطائر: أي تلبّد بالأرض. [6] ـ وردت في بعض الشروح المطبوعة هذه الزيادة: «بلادكم أنتن بلاد الله تربة، أقربها من الماء وأبْعَدُها مِن السَّماء؛ وبها تسْعَةُ أَعْشار الشَّرِّ. المُحتَبَسُ فيها بِذَنْبِهِ، والخارِجُ بِعفْوِ الله. كأني أنظرُ إلى قرْيَتِكمْ هذه قد طَبَّقَها الماءُ، حتى ما يُرى فيها إلّا شُرَفُ المسجِدِ؛ كأنّهُ جُؤجُؤ طير في لُجَّةِ بحرٍ» ولم نوردها في المتن لخلوّ النسخ الخطية المعتمدة منها.